2016/09/16

الزواج المبكر والزواج بالإكراه

تعريف الزواج في اللغة هو الاقتران أو الارتباط لقول العرب "زوج الشيء، زوجه إليه، وقرنه به". الزواج هو ارتباط الشيء بالأخر أي اقترانهما سويا بعد أن كانا منفصلين، اقتران الرجل بالمرأة للحياة مجتمعين والاستئناس والاستمتاع والتكاثر.
أسباب منطقية حقيقية، غير عبثية، تدعو الرجل للزواج من المرأة، والمرأة من اختيار الرجل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع لمالها وجمالها وحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" و"إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ألا تفعلوا تكن فتنة وفساد كبير". الشرع الإسلامي لم يجز تزويج المرأة إلا بموافقتها، فقد قال رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ إذْنُهَا قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ.. "
شروط الزواج: (1) صحة العقد أن الفتاة غير محرمة على الرجل تحريما مؤبدا أو مؤقتا. (2) أن يكون بحضرة شاهدين حرين عاقلين بالغين عادلين يقول رسول الله "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح غير هذا فهو باطل" (3) يشترط لنفاذ العقد أن يكون الذي تولى عقد الزواج كامل الأهلية. (يرى أبو حنيفة أن المر أه لها كامل الولاية في شان زواجها مادامت بالغة عاقلة). (4) شروط اللزوم الا يكون الولي فاقد الأهلية، وألا يقل المهر عن مهر المثل إذا زوجت الفتاة نفسها، وألا تزوج البالغة العاقلة نفسها من غير كفء.
قانون الأحوال الشخصية الاردني: رقم (36) لسنة (2010) ورد بالمادة رقم (5) منه أن "الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا لتكوين أسرة وإيجاد نسل". وفي المادة (6) "ينعقد الزواج بإيجاب من أحد الخاطبين أو وكيله وقبول من الآخر أو وكيله في مجلس العقد". والمادة (7) "يكون كل من الإيجاب والقبول بالألفـاظ الصريحة (كالإنكاح والتزويج) وللعاجز عنهما بكتابته أو بإشارته المعلومة".
تأسيسا على ما سبق فإن موافقة الطرفين ضرورية لإتمام شروط العقد السليم قانونيا، فإن لم توافق الفتاة على المضي قُدما بإجراءات الزواج فإنه يعتبر زواجا غير قانونيا وغير شرعيا وفاسدا. فإذا بينت الفتاة للقاضي او للمأذون قبل حصول العقد عدم موافقتها على الزواج فإنه لن يمضي بإجراءات الزواج ولن يكون هناك ارتباط، إما إذا وافقت الفتاة أن تتزوج على مضد، أو أنها مضت في الإجراءات فأن الزواج لا يعتبر غير قانوني لأن القاضي لن يعرف عن رفضها الزواج إلا أذا عبرت على ذلك صراحة كما نصت المادة 7 من قانون الاحوال الشخصية سالفة الذكر، وهذا يتطلب توعية للمرأة بشكل عام لتعرف حقها في هذا المجال وتجنب استغلال جهلها بالقانون لتزويجها بالإكراه.

على الرغم من أنه هناك تشريعات في الاردن تحظر زواج من عمره أقل من 18 سنة، إلا أنه كثيرا ما يتم تجاهل تلك القوانين فحالات زواج الاطفال أما أنها لا تسجل وإما أن يتم اخضاعها للقواعد العرفية أو الدينية او باستثناء يوافق عليه القاضي الشرعي، فقد نصت المادة (10) من قانون الأحوال الشخصية الاردني على أن "أ- يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين وأن يتم كل منهما ثمانية عشرة سنة شمسية من عمره. ب- على الرغم مما ورد في الفقرة (أ) من هذه المادة يجوز للقاضي وبموافقة قاضي القضاة أن يأذن في حالات خاصة بزواج من أكمل الخامسة عشرة سنة شمسية من عمره وفقاً لتعليمات يصدرها لهذه الغاية إذا كان في زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة ويكتسب من تزوج وفق ذلك أهلية كاملة في كل ما له علاقة بالزواج والفرقة وآثارهما. وصدرت هذه التعليمات عام 2011 بعنوان:  "تعليمات منح الإذن بالزواج لمن هم دون سن الثامنة عشرة"
بناء على ما سبق، فإن أي زواج لفتاة عمرها أقل من 15 سنة هو غير شرعي بكل الاحوال وأي زواج ما بين 15 و18 سنة هو استثناء ويجب أن يتم بموافقة القاضي الشرعي حسب التعليمات الخاصة بذلك، أما الزواج بالإكراه فيشمل بالإضافة لم سبق، أي زواج وإن كان عمر الفتاة أكبر من 18 سنة لم تأخذ منها الموافقة الشرعية كما ورد بنصوص القانون، او أرغمت بصمت على قبول الزواج.

الاتفاقيات الدولية:
تنص الاتفاقية الدولية المتعلقة بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة على الحرية بقرار اختيار الزوج وعلى أن زواج الأطفال ليس له تبعات قانونية فقد ورد في البند الثاني من المادة 16 من إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على أن "1- تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة: (ب) نفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفى عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل. 2- لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزاميا.
طالبت المادة 24 من اتفاقية حقوق الطفل الدول باتخاذ الإجراءات التي من شأنا وضع حد للممارسات التقليدية الضارة بما في ذلك على سبيل المثال الزواج القسري والزواج المبكر، كما ونصت المادة   37 بأن لا يتعرض أي طفل للتعذيب أو لضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة كما ودعت المادتان 34 و35 إلى توفير الحماية للأطفال من الاستغلال الجنسي والانتهاك الجنسي ومن البيع والإتجار.
 وعليه يجب اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية بما في ذلك تطوير التشريعات الوطنية لتنص بشكل واضح على الحد الأدنى لسن الزواج دون استثناء. وقد أوصت لجنة القضاء على التميز ضد المرأة في توصية عامة لها صدرت في عام 1994 بشأن المساواة والعلاقات الأسري، على أن يكون الحد الأدنى لسن زواج الفتيان والفتيات على السواء 18 عاماَ. وقد أكدت لجنة حقوق الطفل على هذا الاقتراح وكثيرا ما توصي اللجنة الدول بوجوب رفع السن القانوني ومساواته لدى الإناث والذكور.

جذور الظاهرة:
في المجتمعات العربية يُجرى الزواج المبكر والزواج بالإكراه بترتيب من الوالدين أو كبار أفراد الأسرة، وفي العادة تكون الفتيات عرائس مهيأة للزواج بأي وقت عند وصلهن مرحلة البلوغ أو بعدها مباشرة.
مسوغات الزواج المبكر والزواج بالإكراه من الناحية الاجتماعية تنحصر بين الادعاء بحماية شرف الأسرة، وطهارة الفتاة الجنسية، وبين الأمور الاقتصادية حيث تعتبر تلك الفتيات أنهن عبء وعالة على الاسر الفقيرة، ويتوقع الاهل ان يشكل ارتفاع مهورهن دخلا إضافيا للأسرة وحماية لمستقبل الطفلة.
دوافع الزواج المبكر والزواج بالإكراه:
أولا: الدوافع المتعلقة بالعادات والتقاليد والثقافة السائدة في المجتمع.
(1)  الثقافة السائدة من أن دور الأهل بالنسبة للفتاة هو رعايتها لسن معين ومن ثم تزويجها.
(2)  الثقافة السائدة من الوعد المقطوع في الصغر أو عند الولادة لتزويجها لشخص قريب معين.
(3)  تخفيف العب الاجتماعي عن الاسرة والخلاص من وصمة العنوسة.
(4)  تزويج المطلقة لتجنب الوصمة الاجتماعية المرتبطة في كون المرأة مطلقة.
(5)  زواج الشغار، وهو المعروف بزواج البدل، حيث نجبر الفتاة على الزواج على سبيل المبادلة.
(6)  تزويج الفتاة ممن اغتصبها أو استغلها جنسيا حسب ما تسمح به المادة 308 من قانون العقوبات الأردني.
(7)  تزويج الفتاة التي تجاوزت الثامنة عشرة بعد ارتكابها جريمة الزنى بمن زنت معه.
(8)  نادرا جدا قد يكون الزواج بالإكراه لحل خلافات بعض العائلات أو العشائر.
ثانيا: الدوافع الاقتصادية
(1)  تخفيف العب الاقتصادي على الاسرة.
(2)  تأمين مستقبل الفتاة بزوجها من غني ميسور الحال.
(3)  الطمع في المال او الجاه والنفوذ عن طريق الزوج.
(4)  الطمع في المهر، وبالعادة مهر القاصرة أعلى.

عواقب الزواج المبكر:
يعتبر الزواج المبكر انتهاكا للمبادئ الأساسية للصحة الإنجابية وهي توفر علاقة جنسية متكافئة ما بين الزوجين، والقدرة الجسدية على الحمل الطبيعي والولادة الطبيعية، وكذلك القدرة على اتخاذ القرار بتحمل مسئولية رعاية الطفل من الناحية النفسية والاجتماعية، وباعتماد تعريف منظمة الصحة العالمية بإن "الصحة هي اكتمال المعافاة الجسدية والنفسية والاجتماعية وليس مجرد انتفاء المرض"، فإن زواج طفلة أو يافعة لم تتجاوز 22 عاما لا يتصف بأي حال من الأحوال بالمعافاة الجسدية والنفسية والاجتماعية ولا يحقق مبادئ الصحة الإنجابية الأساسية، باعتبار أن هذا الزواج لا يتوقع أن تكون العلاقة الجنسية به متكافئة، ولا يشكل جسم الطفلة أو اليافعة بيئة طبيعية لحمل طبيعي ولا يكون ملائما لولادة طبيعة، ويمتد ذلك إلى غياب الاستعداد النفسي والاجتماعي في هذا العمر المبكر للتعامل مع الأطفال كأبناء تقدم لهم احتياجاتهم الأساسية.
الزواج المبكر يشكل أيضا انتهاكا صارخا لقيم إنسانية لها علاقة بالطبيعية البشرية وهي القرار الناضج بمفهوم ممارسة الجنس والقرار الواعي بالإنجاب، والذين من المستحيل توفرهما لدى طفلة أو يافعة.
إن الفتيات اللواتي يتزوجن بعمر مبكر لا يكن قادرات على استخدام وسائل تنظيم الأسرة إن كان ذلك بسبب عدم المعرفة بوسائل التنظيم أو بسبب إرغامهن على حمل قسري وبالعادة تكون ولادة أول طفل لهن في العام الأول لزواجهن، كما وأن إحتمال تعرضهن للعدوى بالأمراض الجنسية المعدية بما فيها الإيدز يكون أضعاف إحتمال تعرض الأكبر سنا لهذه الأمراض بسبب غياب المعرفة في هذا العمر المبكر وعدم السماح لهن باستخدام الوسائل الوقائية، ومما يفاقم هذه الأمور سوء هو أن الزواج المبكر مرتبط بظروف إجتماعية تتصف بالجهل وغياب التعليم والفقر والانعزال الاجتماعي.
إن العواقب الطبية المباشرة للحمل المبكر وبالتالي الولادة المتعلقة به، تتمثل في زيادة إحتمال موت الأم بسبب عوامل الخطورة المتعلقة بصغر عمر الحامل، وزيادة إحتمال حدوث الولادة المبكرة قبل استكمال الأشهر الرحمية التسعة، وزيادة نسبة المضاعفات أثناء الولادة، وقلة وزن الوليد، وزيادة إحتمال حدوث الإجهاض والموت داخل الرحم أو عقب ولادة الجنين مباشرة. هذا المخاطر الطبية المباشرة تمتد إلى فترة ما بعد الحمل والولادة إلى مضاعفة احتمالية وفاة الطفل الرضيع في السنة الأولى من عمره، بما يعرف بوفاة المهد، وكذلك تمتد إلى صحة الأم المستقبلية بزيادة إحتمال تعرضها للأمراض المزمنة الشائعة كارتفاع الضغط والسكري، وزيادة عدد أحمالها وما يتبع ذلك من عواقب ومضاعفات قد تهدد حياتها.
العواقب الاجتماعية المتعلقة بالزواج المبكر تتكون من القضاء على فرصهن بالتعليم وبالتالي ضعف الاستقلالية وغياب فرص الاعتماد عن النفس، ويشكل الزواج المبكر شكلا من أشكال العزلة الاجتماعية وما يرافقها من عواقب نفسية على الفتاة، وأيضا هناك زيادة إحتمال حدوث الطلاق الفوري او المتأخر أضعاف حدوثه في الزواج المتكافئ، وهو أيضا مرتبط بتعريض الفتاة لمخاطر التشرد وما يرتبط بذلك من إحتمال تعرضها للاستغلال الجنسي والدعارة، وأيضا زيادة إحتمال قيامها بإجهاض نفسها بطرق غير قانونية وبالتخلص من وليدها بهجره كلقيط أو حتى قتله.
العواقب النفسية تتكون من اضطرابات في الوظائف الجنسية وعدم الانسجام الجنسي، والكآبة والقلق والتوتر، ومشاكل الطلاق العاطفي، وزيادة إحتمال تولد اضطرابات الغيرة والشك بين الزوجين، وأيضا اضطراب العلاقات الاجتماعية الطبيعية بين المرأة وأهلها والمجتمع وبين المرأة وأبنائها، كما وانه هناك عواقب التأقلم مع الطلاق في حال حدوثه لدى عودتها لأسرتها أو للمجتمع وما قد يرافق ذلك من بطالة وفقر.
إن إكراه المرأة على الزواج المبكر هو سلوك يتعدى كونه غير شرعي وغير قانوني وغير أخلاقي إلى أنه شكل من أشكال العنف ضد المرأة وشكل من أشكال العنف ضد الطفل بمرجعية أن مرحلة الطفولة هي أقل من 18 سنة، تتعرض خلاله الفتاة لمعانة نفسية شديدة من قبل والدها أو وليها الشرعي، وإن وافقت الفتاة على مضد على هذا الزواج وأُجيز قانونيا فإن حياتها مع زوج لا تكن له المودة والرحمة، سيعرضها بالإضافة للعنف النفسي إلى أشكال أخرى من الإيذاء والعنف الجسدي، وإلى ممارسات تصنف بالإساءة الجنسية من قبل زوجها. هناك أيضا زيادة في إحتمال لتعرضهن للعنف الأسري القاتل (جرائم الشرف) بسبب صغر عمرهن وعدم درايتهن بأمور الحياة، وللإيذاء الجسدي من قبل أقاربها إذا رفضت الزواج
أن الأفعال والممارسات الجنسية التي يقوم بها الزوج مع زوجته الطفلة (أقل من18سنة) تشكل عنفا جنسيا في المفهوم الطبي والنفسي وإن لم يعاقب عليها بنصوص قوانين العقوبات، كما وأن هناك زيادة واضحة في إحتمال تعرض الزوجة القاصر لأنشطة جنسية شاذة من قبل زوجها من مثل ممارسة الجنس على خلاف الطبيعة معها أو كالاستمتاع الجنسي السادي. 

هناك دور أساسي للطب الشرعي في إثبات العنف الجسدي الواقع على الزوجة من قبل زوجها إلا أن الأفعال والممارسات الجنسية التي يقوم بها الزوج مع زوجته بدون رضاها، وبغض النظر عن الدافع لعدم رضاها أهو إكراهها على الزواج منه أو لمرض أو لأي سبب أخر، فأنها وعلى الرغم من كونها عنفا جنسيا من المفهوم الطبي والنفسي إلا أن قانون العقوبات الأردني كمعظم قوانين العقوبات في دول العالم لم يجرم هذا الفعل، ولا يعتبرها جريمة تستحق العقاب، وبتالي فأن هذه الحالات لا تعرض على الأطباء الشرعيين، فتعبير الاغتصاب الزواجي غير وارد بالقانون الأردني. أما في الحالات التي يقوم بها الزوج بممارسة الجنس على خلاف الطبيعة (الشرجي) مع زوجته فيمكن أجراء الكشف الطبي لمخالفة هذا الفعل للطبيعي وفي حال أثباته من قبل الأطباء فإن للمحكمة الشرعية ان تحكم بانفصال الزوجين أما من الناحية الجنائية فهذا الفعل أيضا لا يعتبر جريمة تستحق العقاب الجنائي. أما في الحالات التي يرافق فيها العنف الجنسي ضد الزوجة عنف جسدي كالاستمتاع الجنسي السادي فإن الزوج يعاقب على فعل الإيذاء الجسدي بحد ذاته ولا تعامل القضية كعنف جنسي.

الوقاية والاستجابة: 
مواجهة ظاهرة الزواج المبكر والزواج بالإكراه يتطلب العمل من خلال عدة قطاعات وفي عدة مستويات، بناء على دراسة عوامل الخطورة المتعلقة بها إن كان في مجال الوقاية قبل حصول الزواج أو عقب حصوله والتعامل مع العواقب المختلفة لمن تزوجن مبكرا، وتشمل (1) تمكين المراهقات والفتيات اجتماعيا واقتصاديا (2) تغيير الثقافة السائدة وتوجهات الاسر والمجتمع المحلي حول الزواج المبكر، (3) تقديم الخدمات للضحايا والتعامل مع الحالات عقب حصول هذا الزواج. (4) العمل في مجال التشريعات والأنظمة لضمان حقوق المراهقات والفتيات. (5) تنفيذ القانون بشكل جدي.
يتوقع أن يكون هناك برامج اجتماعية موجهة للمراهقات والفتيات تعمل وقائيا على بناء الثقة بالنفس وتحسين مهارات التواصل والمعرفة والصحة وعلى القدرة بالمطالبة بحقوقهن وخاصة بحقهن الشرعي القانوني بقبول أو رفض الزواج، من خلال شبكات وجمعيات في المجتمع المحلي وبالتالي يصبحن قادرات على تحديد مسار حياتهن في المستقبل، وترك أثر إيجابي في اسرهن وفي مجتمعهن المحلي.
تغير الاتجاهات والثقافة السائدة للأسر والمجتمعات حول الزواج المبكر، يتطلب جهود كبيرة لان هذه الاتجاهات والثقافة موروثة عبر الأجيال ومرتبطة بالدين في بعض الأحيان وهناك تحدي كبير في تغيرها، الا ان تنفيذ برامج التوعية والتثقيف حول عواقب الزواج المبكر والزواج بالإكراه سيؤدي حتما للتغير في حال كون هذه البرامج معدة بشكل علمي تنفذ وتقاس بمعايير وتتصف بالاستدامة. تستهدف هذه البرامج الإباء واليافعين في عمر الزواج والامهات وقادة المجتمع المحلي في المواقع المختلفة.
تنفيذ برامج تضمن تقديم الخدمات في المجتمع المحلي موجهة للمراهقات والفتيات في مجالات النوعية الجيدة الآمنة للتعليم والصحة والحماية الاجتماعية الاقتصادية وحماية الطفل من العنف والاستغلال، وتنفيذ برامج وقائية للمراهقات والفتيات المتعرضات للزواج المبكر أكثر من غيرهن، كالموجودات في مخيمات اللاجئين أو في الاحياء الفقيرة، وبرامج متخصصة لمن تزوجن مبكرا ويعانين من عواقب هذا الزواج الاجتماعية والصحية والإنجابية والنفسية.
برامج موجهة في المجال التشريعي تضمن ان نصوص القانون والأنظمة والتعليمات النافذة تحدد الحد الأدنى لعمر الزواج بحيث لا يقل عن 18 سنة وتمنع زواج الأطفال بشكل قطعي وبدون استثناء قد يستغل سلبا للسماح بالزواج المبكر.
في المجال التنفيذي والاداري يجب العمل على تطبيق التشريعات بشكل جاد على الجميع ودون التراخي بالسماح بحصول أي زواج دون تسجيله رسميا، وضمان تسجيل كافة الولادات في السجلات الرسمية للتأكد من عمر الاطفال وخاصة في مجتمعات اللجوء او الأحياء المهمشة والفقيرة وعدم اعتماد تقارير تقدير العمر العشوائية بدون اعتمادها من قبل لجان طبية مختصة في مجال تقدير العمر.
الدكتور هاني جهشان، مستشار أول الطب الشرعي
الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الامم المتحدة 

2016/09/05

حماية الأطفال في الطريق من وإلى المدرسة

في أي عمر من الممكن الاعتماد على الطفل ان يلتحق ويغادر المدرسة منفردا دون راعي له يضمن سلامة وصوله للمنزل؟
تشير المراجع المعرفية إلى أن أي طفل عمره أقل من إحدى عشرة سنة أو أثني عشرة سنة يتوجب أن يكون هناك راعي له خلال مغادرته المنزل إلى المدرسة أو بالعكس أو السماح بالخروج له منفردا للمجتمع المحلي، وحتى بعد هذا العمر يتوجب أن يرافقه شخص يرعاه اعتمادا على نضوجه الاجتماعي والنفسي، ويتوجب ذلك أيضا إن كان يعاني من إعاقات جسدية أو بصرية أو سمعية أو من اضطرابات سلوكية أو اضطرابات اللغة والكلام، ويعتمد ذلك أيضا على بعد المسافة ما بين المدرسة والمنزل وعلى شيوع عوامل الخطورة في المجتمع المحلي للتعرض للعنف أو الاستغلال أو غياب معايير السلامة العامة بالطرق.

ما هي المخاطر التي يتعرض لها الأطفال في المجتمع المحلي خلال ذهابهم وإيابهم من المدرسة؟
قد يتوه الطفل في الطرق والأزقة ويضل الطريق إلى منزله.
قد يتعرض لحوادث المرور ولمخاطر الإصابات بسبب ضعف مواصفات السلامة في الطرق والمرافق العامة.
قد يتعرض الطفل لمخاطر من رفقاء السوء كالتعود على التدخين أو الكحول أو المواد الطيارة.
قد يتعرض للعنف الجسدي والتنمر من أطفال آخرين في الطرقات.
وقد يتعرض لمخاطر العنف الجنسي من المراهقين والبالغين إن كانوا من المجتمع المحلي أو غرباء.
على الرغم من عدم شيوعها في مجتمعنا قد يتعرض الطفل لمخاطر الخطف المباشر وبالتالي الاتجار بالبشر وبالأعضاء البشرية أو الانضمام لعصابات تهريب المخدرات، أو الانخراط في العصابات المسلحة والتكفيرية.
هذه المخاطر ليست محصورة فقط بفترة ذهاب الطفل لوحدة للمدرسة وعودته منها، بل هي موجودة أيضا في الأماكن الأخرى التي قد يتواجد بها الطفل وحيدا إن كان برضى والديها أو رغما عنهما أو بغفلة منهما، مثل مجمعات التسوق او المتنزهات العامة أو صالات الألعاب والسينما.

على من تقع المسؤولية؟
حسب المراجع المعرفية المسندة، الأطفال أقل من عمر احدى عشر أو اثني عشر عاما والأطفال المحتاجين لرعاية خاصة، تنتقل مسؤولية رعايتهم من الوالدين او المسؤولين عنهم إلى إدارة المدرسة والمعلمين لحظة إيصالهم للمدرسة او للمركبة العائدة للمدرسة، وكذا عند مغادرتهم المدرسة أو مركبة المدرسة تنتقل مسؤولية رعايتهم من المدرسة إلى الاهل.
يتحمل الاهل المسؤولية المباشرة عن إيصال الطفل للمدرسة أو للمركبة العائدة لها واخفاقهم بذلك يعتبر إهمالا قد يعرض الطفل للخطر، وبالمقابل لا يتوقع أن يغادر الطفل المدرسة او المركبة دون ضمان انتقال هذه الرعاية لأهله، واخفاق إدارة المدرسة بذلك يشكل شكلا من أشكال الاهمال ايضا، وبالتالي انتهاكا لحقوقه، ويشارك في هذا الشكل من الإهمال أهل الطفل في حال اخفاقهم أو تأخرهم غير المبرر لاستلام الطفل وضمان إيصاله للمنزل.
انتقال رعاية الطفل الآمنة من أهل الطفل إلى المدرسة وبالعكس من المدرسة إلى أهل الطفل، يجب أن يمتد ليشمل رعايته في واسطة النقل او المركبة التي قد تستخدم لهذ الغاية، ويتم ضمان ذلك بوجود مشرفة متخصصة بالمركبة تكون مسؤولة عن رعاية الطفل خلال وجوده بالمركبة ولدى انتقاله للمدرسة أو للمنزل.
للأسف لم تتضمن قوانين وأنظمة وتعليمات وزارة التربية والتعليم الاردنية أي نصوص واضحة تتعلق بحماية الأطفال أثناء قدومهم او خروجهم من المدرسة او تضمن استمرارية رعايتهم عند وصولهم للمدرسة او مغادرتها، وإن إغفال الحكومة لمثل هكذا نصوص يشكل انتهاكا لحقهم بالحماية والامن والسلامة.
هناك مسؤولية مباشرة لإدارة المدرسة عن رعاية الطفل خلال فترة وجوده بها، وقد نصت المادة 289من قانون العقوبات الأردني على أن " كل من ترك قاصراً لم يكمل الخامسة عشرة من عمره دون سبب مشروع او معقول ويؤدي الى تعريض حياته للخطر، او على وجه يحتمل ان يسبب ضررا مستديماً لصحته يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة. وتكون العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات إذا كان القاصر لم يكمل الثانية عشرة من عمره. الا أن الضبابية في قانون التربية والتعليم حول من هو المسؤول عن الطفل لحظة خروجه من المدرسة يجعل من تطبيق هذه المادة أمرا محيرا بين إنفاذها على والدي الطفل أو إنفاذها على إدارة المدرسة، وهذه الضبابية لا تنعكس سلبا الا على الطفل نفسه وتعرض حياته للخطر دون رادع حقيقي يوفر له الحماية.

ما هي وسائل تهيئة الطفل ليعتمد على نفسه خارج المنزل عند وصوله للمرحلة العمرية المناسبة؟
 يجب تزويد الاطفال بالمعارف الأساسية للتعامل مع الغرباء ولمخاطر عبور الطريق والمركبات ولوسائل مواجهة اللذين قد يعرضوهم للتنمر وأيضا التعرف على مخاطر التدخين والمخدرات والمواد الطيارة.
تتحمل كل من إدارة المدرسة والمعلمين والوالدين مسؤولية التوعية هذه، والاخفاق في تنفيذها يشكل أحد مظاهر انتهاك حقوق الطفل، وتتحمل الدولة مسؤولية التخطيط والتنفيذ لمثل هذه البرامج التوعوية للأطفال، على المستوى الوطني، لتمكينهم من حماية أنفسهم لدى بلوغهم العمر المناسب ليخرجوا للمجتمع لوحدهم.

هل من الممكن الوقاية وبالتالي حماية الأطفال واليافعين من إصابات حوادث الطرق؟
يجب توفير برامج توعية تحث الوالدين على لعب دور إيجابي في سلوك الأطفال واليافعين عند استعمال المركبة أو الطريق، فهم القادرين على التأثير الإيجابي بالأطفال وباليافعين.
على الحكومة أن تتبنى وتطبيق استراتيجيات للوقاية من إصابات حوادث الطرق، وتحديث وتطبيق القوانين الرادعة، وضمان أن تكون المركبات في مواصفات آمنة، وتحسين البنية التحتية للطرق، ويتوقع أن تقوم الدولة بتدخلات تشكل عوامل وقائية في مواجهة عوامل الخطورة التي تؤدي لإصابات حوادث الطرق.
 يجب أن تتصف البنية التحتية للطرق بكونها صديقة للأطفال تفصل بين المشاة والمركبات، وتوفر وسائل قطع طرق آمنة مقابل مدارس الأطفال وأماكن تنزههم كبناء الأنفاق والجسور، ويجب أن تكون ملاعب الأطفال في المدراس والأماكن العامة آمنة وغير نافذه للطرق العامة، كما ويجب أن يكون هناك حد أدنى من مواصفات صديقة للأطفال عند ترخيص المركبات كالإلزام باستعمال مقعد تقييد الأطفال وحماية لمغالق أبواب ونوافذ المركبة.
الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعيالخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة

2016/09/03

الفساد في القطاع الصحي انتهاك لحق الإنسان بالصحة والحياة

إن الصحة هي حق انساني عالمي وان الفساد يحرم كثير من المواطنين من النفاذ الميسر والسهل للرعاية الصحية، وعليه جاءت هذه الورقة لتستعرض اشكال هذه الفساد بطريقة منهجيه بهدف حماية هذا الحق، فقد عرف التقرير العالمي للفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية "الفساد" بأنه سوء استخدام السلطة والموقع العام بهدف تحقيق مكاسب خاصة، وأشار هذا التقرير إلى نهب الملايين من مخصصات الرعاية الصحية بفعل مظاهر الفساد المتفشية من السرقة والرشوة والابتزاز، وإلى أن العقاقير الطبية المزورة تحصد الآلاف من الأرواح في كل عام وُتسارع في انتشار الأمراض المقاومة للعقاقير، وإلى حرمان الملايين من البشر من العناية الطبية الأساسية وبالتالي تكون المعاناة الإنسانية هي المحصلة الحقيقية والثمن الباهظ نتيجة الفساد في القطاع الصحي، فالمال الذي يضيع بسبب الفساد يمكن استخدامه لشراء الادوية، وتجهيز المستشفيات ودعم الكادر الطبي الذي تحتاجه المنشآت الطبية.
إن مواجهة الفساد في مجال الرعاية الصحية هو قضية عمومية جوهرية وهي هامة بحيث يمكن اعتبارها مسألة حياة أو موت خصوصا بالنسبة الى الملايين من البشر وخاصة الفقراء منهم الذين يقعون ضحايا مقدمي الرعاية الصحية عديمة الأخلاق والمبادئ.
إن أنظمة القطاع الصحي معقدة التركيب وغامضة لعامة الناس وهي بيئة خصبة للفساد، وعلى الرغم من أن غالبية العاملين في القطاع الصحي يقومون بأداء مهامهم العلمية والعملية بجد ونزاهة وتكامل مهني، إلا أنه هناك مؤشرات وأدلة لانتشار الفساد في كافة أنواع القطاعات الصحية على شكل أنشطة تتصف بالتحايل والارتشاء في الخدمات الصحية على اتساعها وشمولها وتتراوح هذه ما بين السرقات الصغيرة والمحدودة وعمليات الابتزاز إلى الانحرافات الهائلة للسياسات والتمويل المالي وإلى رشاوي المسؤولين، وأشكال الفساد هذه تفشت وتصاعدت لتخترق كافة أشكال الرعاية الصحية للقطاع العام و القطاع الخاص إن كانت في شكل الرعاية الأولية أو الرعاية المتقدمة.
انتشار الفساد هو انعكاس لثقافة سلبية منتشرة في البيئة التي يخدمها القطاع الصحي، فقد أظهرت الدراسات أن الفساد هو أقل انتشارا في المجتمعات التي تحترم القانون، وتتصف بالشفافية والثقة بالأخر، والتي يكون القطاع الصحي العام بها ملتزم بإدارة ناجعة بمرجعية إجراءات ونظم أخلاقية موثقة وآليات مسائلة معلنة وواضحة للجميع.

لماذا القطاع الصحي عرضة للفساد أكثر من غيره؟
إن عوامل المخاطرة التي تؤدي إلى الفساد في القطاعات المختلفة تؤثر على القطاع الصحي أيضا بالإضافة إلى عوامل خاصة به تجعله عرضة للفساد أكثر من غيره، فالقطاع الصحي يتصف بغموض مهني معقد لا يسمح بسهولة المراقبة وقياس أداء الخدمات والبرامج من خارج القطاع، كما وأن القطاع الصحي يتصف بالتشتت وعدم تماثل نظم المعلومات به ويتصف أيضا بحاجته لعدد كبير من المهن المختلفة والمتنوعة التي تخدم القطاع تتراوح ما بين صانعي القرار والمشرعين والإداريين والأطباء والتأمينات الصحية مما يفاقم الصعوبات والمشاكل في عملية تحليل المعلومات وفي عملية الترويج للشفافية واستكشاف منابع الفساد، بالإضافة لاعتماد القطاع الصحي على شركات القطاع الخاص لتوفير البنية التحتية وبناء الإنشاءات وتوفير العقاقير والمستلزمات الطبية والخدمات الاستشارية وكذلك هو عرضة للفساد لتضخم حجم ميزانيته من المال العام، ومما يزيد الأمر تعقيدا هو حقيقة الإخفاق في التمييز ما بين كون تردي اوضاع الخدمات الصحية في القطاع العام هي نتاج الفساد أو هي نتاج عدم توفير موارد كافية أو كونه نتيجة أخطاء مهنية ونقص بالكفاءة والتدريب، ويتعقد الوضع أكثر لصعوبة قياس هدر الموارد المالية الإجمالية للفساد في هذا القطاع، كما ويزدهر الفساد في القطاع الصحي بسبب عوامل خطورة من مثل الرواتب المتدنية للعاملين الصحيين بسبب خفض وتحديد الدولة الميزانيات الصحية وعدم تقدير ومكافئة الإنجازات الطبية المميزة، وغياب مراقبة تنفيذ الإجراءات والإخفاق بالأشراف على المقاييس المهنية وغياب عقاب المخالفين جزائيا وحقوقيا.
ما هي عواقب الفساد في القطاع الصحي؟
 الفساد عمومًا يحرم المواطنين من سهولة النفاذ السهل للرعاية الصحية ومن الممكن أن يؤدي إلى تقديم علاج خطأ أو مميت وليس هناك مواطن محصن من أي يكون ضحية لهذا النوع من الفساد، إلا أن الفقراء أكثر تأثراً بفساد القطاع الصحي لأنهم أقل قدرة على التأقلم والاستجابة للبيئة الفاسدة وهم يعتمدون مباشرة على الخدمات شبة المجانية التي يقدمها القطاع العام المنهك بالفساد، وهم غير قادرين على إيجاد بديل ودفع مقابل خدمات صحية بالقطاع الخاص. على مستوى السياسات يؤدي الفساد في القطاع الصحي لتحويل وتوجيه الأموال إلى مشاريع محددة لمنفعة شخصية أو مالية بغض النظر عما إذا كانت تتناغم والسياسة الصحية على المستوى الوطني.
ما هي أشكال الفساد في القطاع الصحي؟ ترتكب أنشطة الفساد بالقطاع الصحي من قبل جهات عديدة ومتقاطعة تشمل صانعي القرار والمدراء على المستوى التنفيذي والرقابي، والموظفين العموميين في التأمين الصحي، وأطباء القطاع الخاص والعام وشركات الأدوية والمستلزمات الطبية وشركات تقديم الخدمات الفندقية والمرضى أنفسهم وتتضمن اشكال الفساد المنتشرة في القطاع الصحي ما يلي:
1) فساد الأطباء في القطاع العام: يتقاضى الطبيب في القطاع العام راتب ثابت بغض النظر عن عدد الحالات التي يتعامل معها أو نوعية الخدمة التي يقدمها وهذا يشكل عامل خطر للتراخي في تقديم الخدمات بالشكل الجيد ويعتبر شكلا من إشكال الفساد. أشكال الفساد الأخرى التي قد يقوم بها الطبيب في القطاع العام هي بإساءة استخدام وظيفته العامة بتحويل المرضى لخدمات في القطاع الخاص لمنفعة شخصية أو مالية، أو استخدام الخدمات والمستلزمات الطبية في القطاع العام لمرضى القطاع الخاص، وقد يعمل أطباء القطاع العام في القطاع الخاص على الرغم من أن الأنظمة لا تسمح بذلك، على حساب مجهودهم الذي من المفترض أن يقدم للمرضى في القطاع العام، وقد يقوم الأطباء في القطاع العام بإساءة استخدام صرف العقاقير الطبية لمنفعة شخصية أو لمنفعة أصدقائهم أو أقاربهم أو بهدف إعادة بيعها لمنفعة مالية او بهدف استخدامها في القطاع الخاص، وشكل أخر من أشكال الفساد التي يقوم بها الطبيب في القطاع العام هو الحصول على منفعة شخصية أو مالية مقابل الخدمات التي يقدمها للمرضى والتي من المفترض أن تكون مجانية او شبة مجانية. إن أنشطة الفساد هذه التي يقوم بها بعض الأطباء في القطاع العام غير قانونية وغير أخلاقية إلا أنه في كثير من دول العالم الثالث ينظر إليها على أنها أنشطة مقبولة اجتماعيا للتأقلم مع الرواتب المتدنية وبيئة العمل السيئة.
2) فساد الأطباء في القطاع الخاص: هناك فرصة للعاملين في القطاع الصحي الخاص لارتكاب أنشطة فساد بسبب تأثيرهم المباشر على القرارات الطبية بالتشخيص ووصف العقاقير الطبية، وفترة الإدخال للمستشفى، وطلب الفحوص المخبرية وتحويل المرضى لاستشارات أو خدمات إضافية وتحرير التقارير الطبية، فإذا لم تكن هذه القرارات في صالح المريض بمرجعية اخلاقيات المهن الصحية وإنما كانت بهدف الربح والكسب غير المشروع للطبيب فتشكل أنشطة فساد وهي للأسف منتشرة بكثرة في القطاع الخاص.
3) الدخل المالي غير المنظور للأطباء والمهنيين الأخرين يأخذ اشكال عديدة منها إساءة صرف العقاقير والمستلزمات والمعدات الطبية لاستخدامها في عمليات إعادة البيع أو في الممارسة بالقطاع الخاص أو لاستخدامها من قبل الأصدقاء والأقارب بهدف منفعة العلاقات الشخصية، ولا يمكن النفي بأن يكون الدخل غير المنظور من الاختلاس والسرقة المباشرة من عوائد تقديم الخدمات للمواطنين بطرق تحايل عديدة، أو الحصول على دخل مالي أو منفعة شخصية مقابل تقديم خدمات يفترض أن تقدم مجانا، أو الحصول على هذه المنافع مقابل التحويل للقطاع الخاص أو مقابل تقديم علاجات معينة باهظة الثمن.
4) الفساد في المشتريات يأخذ إنماط مختلفة فقد يكون على شكل الموافقة على قيم مالية تتجاوز القيمة الحقيقية، أو على شكل الاخفاق في تعزيز وتشجيع المعايير التعاقدية القانونية بالنسبة لجودة العقاقير والمستلزمات والمنشآت، أو شراء خدمات فندقة وخدمات صيانة وتنظيف ثمنها باهظ لا يتناسب مع جودتها.
5) الفساد في آليات تحصيل المال العام، كالتراخي في إجراءات تحصيل الرسوم المقررة، أو عدم التحصيل المالي عن طريق علاج المرضى غير المؤمن عليهم صحياً باستخدام بطاقات أشخاص مشمولين بالتأمين الصحي، وصرف بطاقات تأمين صحي لأشخاص لا يستحقونها، وكذلك تقديم فواتير غير حقيقية للتأمين الصحي لعلاج المرضى في القطاع الخاص، وقد يصل هذا النوع من الفساد في بعض الأحيان إلى التزوير المباشر في سجلات وقيود الفواتير ودفاتر الإيصالات، وقد يكون الفساد في هذا المجال بالانتفاع بتحويل مرضى المستشفيات العامة بصوة غير مناسبة وبدواعي غير حقيقية للقطاع الخاص بهدف المنفعة المالية أو منفعة العلاقات الشخصية.
6) الفساد في سلسلة التعامل مع المستلزمات الطبية، ويشمل ذلك تحويل مسار أو سرقة المستلزمات الطلية عند نقاط معينة في نظام التوزيع، وقد تكون على شكل قبول مبالغ نقدية مقابل الموافقة واعتمادا منتجات محددة أو تسهيلات خاصة بإجراءات التخليص الجمركي أو بشأن وضع الأسعار وتحديدها، وقد يكون الفساد في هذا المجال بالسماح باستخدام ووصف عقاقير ومستلزمات محددة دون غيرها مقابل مردود مالي للجان العطاءات أو للأطباء أو على شكل توفير أدوية دون المستوى الحقيقي أو ذات معايير مخالفة.
7) فساد صانعي القرار والمدراء على المستوى التنفيذي والرقابي: هناك دور أساسي للحكومة بتقديم الخدمات الصحية للمواطنين بتوفير الرقابة على الخدمات الصحية بما في ذلك سلامة العقاقير وفاعليتها وضمان أن المهنيين في القطاع الصحي حاصلين على شهادات معترف بها ويحملون تصاريح مزاولة المهن، وضمان رفد المنشاءات الصحية المختلفة بالموظفين والمستلزمات. غياب الرقابة عادة ما يوفر الفرصة لأنشطة الفساد فعلى سبيل المثال شركات الأدوية تتدخل في نتائج الأبحاث العلمية حول فاعلية العقاقير الطبية أو تقدمها للجهة الرقابية بطريقة تغاير الواقع بهدف الحصول على الموافقة، وقد يحصل الفساد بالتغاضي عن مراقبة متطلبات مزاولة المهنة إن كان عن طريقة الرشاوي أو الحصول على منفعة شخصية للمسئولين.
8) الفساد المتعلق بالتأمين الصحي: على مستوى السياسات العامة يكون الفساد بالتأمين الصحي بمظهر عدم المساواة والعدالة من قبل الحكومة بعدم توفير الميزانية الكافية لصندوق تأمين صحي معين بهدف دعم صندوق آخر بدوافع سياسية لدعم المستفيدين من هذا الصندوق. قد يتعرض "التأمين الصحي" للفساد من قبل الاخرين خارج إدارته إن كانوا مرضى أو أطباء، لكن العاملين به قد يرتكبوا الفساد أيضا بالتحايل على الأنظمة وتوفير خدمات التأمين لأشخاص لا يستحقونه لأهداف سياسية أو بهدف منفعة شخصية لهم. وقد يرتكب الفساد في التأمين الصحي بقبول فواتير علاج غير حقيقية من القطاع الخاص، أو بمحاولة رفض أو تأخير فواتير علاج حقيقية بهدف الحصول على منقعة شخصية أو مالية من قبل القطاع الخاص، وقد يقوم الموظفين في التأمين الصحي بدفع رشاوي لآخرين بهدف التغاضي عن قيامهم بممارسات غير قانونية.
9) الفساد الذي يرتكبه المرضى: قد يقوم المرضى بادعاء الفقر للحصول على تأمين صحي مجاني، أو يقوموا بأنشطة فساد على شكل استخدام بطاقة تأمين صحي لأشخاص أخرين كالأصدقاء والأقارب، وقد يكون الفساد الذي يرتكبه المرضى بالشراكة مع الأطباء بغرض منفعة شخصية أو مالية للحصول على تقارير طبية مخالفة للوقع توفر لهم تجاوز القانون كالحصول على رخصة قيادة مركبة أو الإعفاء من الخدمة العسكرية، أو الحصول على مكاسب وإعفاءات مالية تقدم للمعاقين، أو بغرض منفعة شخصية أو مالية بتوفير النفاذ لخدمات صحية في قطاعات غير المنتفعين عادة بها.
10) فساد شركات الأدوية والمستلزمات الطبية: يكون الفساد بهذا المجال على شكل اعطاء معلومات غير صحيحة عن منتجاتهم الصحية ونوعية الأجهزة الطبية أو إعادة تغليف منتجاتهم بأسماء معروفة عالميا وتغير بلد المنشأ بهدف الحصول على ربح كبير، أو بتغير تاريخ انتهاء الصلاحية. قد يقوم المدراء بهذه الشركات بتقديم الرشاوي المباشرة وغير المباشرة للمسئولين عن العطاءات الصحية، وقد تمتد هذه الرشاوي لمشاريع بناء المنشاءات الطبية الكبيرة.

التوصيات الخاصة بمكافحة الفساد في القطاع الصحي
مواجهة الفساد في القطاع الصحي يتطلب التزام واسع النطاق باحترام القانون وتطبيق محتواه وتطبيق أنظمة الخدمة المدنية النافذة المفعول ووجود آليات للالتزام بالمسؤولية بمرجعية الأخلاقيات المهنية وأخلاقيات الموظف العام، ونجاح مكافحة الفساد في القطاع الصحي يتطلب أيضا توفر وسائل إعلام مستقلة ومجتمع مدني قوي.

ضمان شفافية المعلومات عن القطاع الصحي
1. من الواجب على الحكومة ووزارة الصحة إصدار معلومات حول الميزانيات المخصصة للصحة وحول أداء هذه الخدمات على المستويات الوطنية والمحلية، بوسائل الأعلام التقليدية والحديثة بحيث تخضع الإدارات الحكومية والمستشفيات وشركات وهيئات التأمين الصحي لعمليات تدقيق محاسبية مستقلة، كما ويتوقع من الحكومة والسلطات أن توفر معلومات حول عمليات العطاءات والمناقصات بما في ذلك إجراءات العروض والشروط وعمليات التقييم والقرارات النهائية المتعلقة بها.
2. يجب تطبيق انظمة فعالة على الصعيد الوطني من أجل الابلاغ عن التأثيرات المناوئة للعقاقير الطبية وتوفير حافز للأطباء للتبليغ عن هذه المعلومات، وتوفير قاعدة بيانات عامة تدرج فيها كافة نتائج الأبحاث المتعلقة بالعقاقير الطبية المستخدمة من قبل القطاع العام للتأكد من نجاعة الأدوية التي تقدم للمواطنين، بالإضافة للكشف عن كل دعم مالي تقدمه شركات الأدوية لأبحاث تتعلق بمنتجاتها.

ضمان تطبيق أخلاقيات المهن الصحية ومدونة سلوك الموظف العام
1. إن تطبيق أخلاقيات المهن الصحية ومدونة سلوك الموظف العام يتطلب جهدا يتجاوز التثقيف بها وتوفيرها لجميع العاملين، إلى عملية التدريب العملي المستمر على إجراءات تطبيقها في كافة قطاعات النظام الصحي على المستوى الوطني للأطباء والصيادلة والإداريين، ويجب أن تكون هذه المدونات مرجعا صريحا وواضحا للوقاية من الفساد وتناقض المصالح التي من الممكن أن تؤدي إلى الفساد وكذلك يجب أن تكون مرجعا للاستجابة لأنشطة الفساد بالعقوبات الواردة بها.
2. يجب على شركات الأدوية والأجهزة الطبية أن تتبنى مبادئ أخلاقية واضحة للأعمال التجارية تتعلق بمقاومة الرشوة تلتزم من خلاله الشركات تطبيق برنامج شامل مقاوم للفساد.

مشاركة وأشراف هيئات رقابية مستقلة
1. يجب على السلطات الصحية توفير وتمهيد الطرق والسبل للإشراف العام من قبل هيئات مستقلة، والذي يحسّن من الأداء والشفافية، ومراقبة المشتريات واختيار الادوية.
2. السياسات الصحية العامة وماهية الخدمات الصحية والميزانيات الصحية يجب أن تكون منفتحة على عملية الفحص والتدقيق العام، حيث تكون كافة مراحل تشكيل الميزانية، التنفيذ وتقديم التقارير سهلة الوصول بالكامل لمؤسسات المجتمع المدني.

الحماية بواسطة إيجاد آليات للتبليغ عن الفساد
1. يتوقع من الحكومة أن توفر آليات آمنة وقانونية للتبليغ عن الفساد للأفراد العاملين في هيئات وإدارات المشتريات والسلطات الصحية على مختلف مستوياتها، وكذلك للمهنيين مقدمي الخدمات الصحية وموردي العقاقير والمستلزمات الطبية.
2. كما يتوجب على شركات الادوية والمستحضرات الصيدلانية التعريف بآليات التبليغ من الفساد.

خفض محفزات الفساد
1. ضمان استمرارية الرقابة الحازمة على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمرضى والرقابة على الأمور المالية لضمان أن طبيعة هذه الخدمات يمليها حالة المريض السريرية وليس المنافع الشخصية أو المالية أو الربح غير المنظور.
2. يجب ان يدفع للأطباء، والممرضين والمهنيين الصحيين الاخرين اجرًا كريمًا ومقبولا، يتوافق ومستواهم التعليمي، مهاراتهم وتدريبهم.

قواعد لمنع تضارب المصالح
1. على الحكومة تبني قواعد لمنع تضارب المصالح التي لا تجيز لأفراد أو جماعات ذات صلة أو مصلحة ومنفعة في مصانع المستلزمات الطبية والأدوية، من المشاركة في دراسات وتجارب الادوية الاكلينيكية.
2. يتوجب على الحكومة ان تدفع باتجاه تبني مبادئ الشفافية في عمليات تنظيم الادوية، بما في ذلك خفض عملية الترويج المكثف للأدوية، ووضع قيود علمية على الاطباء فيما يتعلق بوصف الادوية ومراقبة اشد وأوثق على العلاقات بين الادارات الصحية وصناعات الادوية.
3. يتوجب على السلطات المختصة بالترخيص الصحي تحديد قواعد معينة وخاصة لسلوك الاطباء بخصوص العلاقات مع مصانع وشركات صناعة الادوية والأجهزة الطبية.

مواثيق ومعاهدات النزاهة وحظر الفساد
1. تطبيق اتفاق ملزم من جانب كلا من المناقصين والحكومة بأن لا يعرضوا او يقبلوا رشاوي بالتعاقدات العامة على المشتريات الرئيسية في القطاع الصحي.
2. يجب على الحكومة حرمان ومنع وحظر الشركات التي يعرف أنها تنخرط في ممارسات الفساد من المشاركة في عمليات تقديم المناقصات ولفترات محددة او دائمة من الوقت.

عملية المقاضاة الصارمة
1. من الضروري والمهم بالنسبة للسلطة القضائية التعامل بمرجعية أن أنشطة الفساد هي أفعال جرمية تتطلب إجراءات عقابية صارمة يفرضها قانون العقوبات بقوة، فعلى سبيل المثال وليس الحصر يجب مقاضاة ومعاقبة منتجي الادوية المخالفة للمواصفات والمسئولين العامين الذين يتواطؤون ويتأمرون معهم.
2. يتوجب توفير الخبرات الضرورية والموارد المالية والاستقلالية لهيئات مكافحة الفساد بهدف الترويج لإجراءات الوقاية من الفساد في القطاع الصحي، ودعم العاملين بها للقيام بمهامهم واداء واجباتهم، وان يتم تدعيمهم بمحاكم مستقلة مختصة.
مجددا إن الصحة هي حق انساني عالمي وان الفساد يحرم كثير من المواطنين من النفاذ الميسر والسهل للرعاية الصحية، ولا توجد طرق معالجة بسيطة للسيطرة على الفساد في القطاع الصحي، ولكن تعتبر التوصيات المشار إليها أعلاه عوامل لتوفير بيئة تمنع، او تعيق، أو تخفض وتتحكم في وتسيطر على الفساد، وهي نداء يوجه للتعامل معها ولاتخاذ الاجراء بشأنها ويوجه هذا النداء الى الباحثين، والحكومات والقطاع الخاص، ووسائل الاعلام والمواطنين.
الدكتور هاني جهشان

مستشار الطب الشرعي
www.jahshan.club