2017/01/25

أنماط جرائم القتل في الأردن والوقاية من إرتكابها



جرائم القتل حسب مرجعيات منظمة الصحة العالمية ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، يقسم لثلاثة أقسام رئيسية كما يلي:
1) القتل المرتبط بالعلاقات ما بين الأشخاص وتكون الجريمة في هذا النوع من القتل بسبب وجود نزاع ما بين الجاني والمجني عليه، أو لقيام الجاني بعقاب المجني عليه لأسباب اجتماعية، ثقافية، او اقتصادية. وينقسم إلى:
أ) القتل المرتبط بالعلاقات الاسرية والعاطفية: ومنها القتل المرتبط بالنوع الاجتماعي، والقتل العرفي (جرائم الشرف وجرائم العاطفة)، والقتل الجماعي للأسرة والانتحار بعد قتل أفراد الأسرة، وفي هذه الجرائم يكون الجاني والمجني عليه في نفس المسكن أو بينهما علاقة اجتماعية، ويرتبط هذا القتل بعوامل عاطفية أو اقتصادية أو قانونية.


ب) القتل خارج العلاقات الأسرية والعاطفية وهو مرتبط بقضايا الثأر أو الخلاف على الممتلكات، الخلافات ما بين الجيران، أو بين الغرباء تماما بحيث يكون الجاني والمجني عليه لا يعرفان بعضهما البعض مسبقا ويكون القتل هنا مرتبط بفعل عنفي عشوائي بظروف جمعت بينهما، وأيضا مرتبط بهذا النوع القتل الجماعي في أماكن العمل او المدرسة.

2) القتل المرتبط بجرائم جنائية وينقسم الى:

أ) القتل المرتبط بالاتجار بالمخدرات وجرائم السرقة والسطو المسلح، والقتل المرتبط بالجرائم الجنسية، وقد لا يكون القتل هو الهدف الرئيسي لكنه ينفذ كجزء من تنفيذ الجريمة او للحيلولة دون اكتشاف السارق او المغتصب.
ب) الجريمة المنظمة من قبل العصابات وتجار المخدرات والأسلحة وتهريب البشر وتستهدف المنافسين او القائمين على العدالة أي الشرطة والقضاء أو استعراضا للقوة والسيطرة على مناطق محددة لشيوع الجريمة المنظمة.

3) القتل المرتبط بأجندات إجتماعية-سياسية وهي:
أ) القتل المرتبط بالإرهاب وجرائم الكراهية، والتمييز العنصري حسب العرق، والجنسية، والدين، والمستوى الاجتماعي الخ...
ب) القتل المرتكب من قبل ضباط تطبيق القانون
ج) قتل التنظيمات الاجتماعية-السياسية السرية أشخاص لهم رأي معلن دفاعا عن مبادئها.
د) قتل العاملين في مجال الصحافة والخدمات الإنسانية التطوعية وفي مؤسسات الأمم المتحدة. 

أي أنواع جرائم القتل الشائعة في الاردن؟
شيوع النوع الأول من جرائم القتل المنوه عنه أعلاه (المتعلق بالعلاقات ما بين الأشخاص) موثق في الأردن ويشكل جزءا إحصائيا هاما من مجمل جرائم القتل وخاصة جرائم النوع الاجتماعي والشرف والعاطفة والقتل الجماعي للأسرة وجرائم العنف القاتلة ضد الاطفال.
هناك بضعة حالات من النوع الثاني المرتبط بالجرائم الجنائية من مثل السرقة والاغتصاب.
تم مؤخرا توثيق وقوع حالات من النوع الثالث المتعلق بجرائم الكراهية وضد الصحفيين وجرائم الإرهاب. 

الحل بتشديد العقاب أم برامج الوقاية؟
الوقاية من هذا الجرائم عموما، كما تشير المراجع المعرفية المسندة، لا يعتمد بدرجة كبيرة على تشديد العقوبة للردع، وإنما على برامج الوقاية الأولية بالتعامل مع عوامل الخطورة للجريمة قبل حدوثها وأيضا على برامج الوقاية الثانوية الموجهة لفئات من المجتمع معرضة للخطر أكثر من غيرها...

إتمام جريمة القتل يتطلب ان يكون هناك دافع للقتل ويتبعه التخطيط وظروف تسمح بالتنفيذ وسياق يوفر أداة الجريمة ومكانها وقدرة على التنفيذ مرتبطة مباشرة بماهية العلاقة ما بين الجاني والمجني عليه، وللأسف يغيب عن ذهن الكثيرين ان جريمة القتل لا تكتمل الا بتراخي وعجف الحكومة...

هل هناك مسؤولية على الحكومة بحدوث مثل هذه الجرائم؟ 
1) وزارة الصحة لا زالت تنأى بنفسها عن مهمة رئيسية تتعلق بحياة وصحة الإنسان وهي الوقاية من العنف والإصابات، على الرغم من توصيات منظمة الصحة العالمية بإنشاء مديرية الوقاية من العنف والإصابات ومنذ عدة سنوات إلا أنها لم تبادر مطلقا للولوج في هذا المجال وكأنها غير معنية به.
2) شيوع الأمراض والاضطرابات النفسية والإدمان وضعف الاستجابة لها على المستوى الوطني بالوقاية وبتوفير الخدمات العلاجية والتأهيلية وبالعمل على تطوير التشريعات المتعلقة بالطب النفسي، ويشمل ذلك وللأسف الأطفال اقل من 18 سنة حيث لا يوجد جهة حكومية تقدم الرعاية الطبية النفسية لهم.
3) تشتت برامج الوقاية والاستجابة لحالات الإدمان.

وزارة التنمية الاجتماعية
1) وزارة التنمية الاجتماعية لا زالت متعثرة في برامج حماية الأسرة وخاصة برامج الوقاية وتغيير الاتجاهات السلبية بالمجتمع المتعلقة بالعنف، وأيضا هناك ضعف مزمن ببرامج الاستجابة للعنف الأسري والتي تتفاقم وتتكرر ليصاحبها جرائم قتل أسري.
2) فشلت الوزارة والحكومة في مواجهة الفقر والبطالة والتي تشكل احد عناصر عوامل الخطورة المجتمعية لارتكاب جرائم القاتل أن كان داخل الاسرة أو خارجها.
3) هناك غياب أي جهة تتحمل مسؤولية علاج وتأهيل الأطفال مرتكبي الجرائم (الاحداث) بشكل متكامل من الناحية النفسية والاجتماعية، علما بأن الأبحاث تشير لاحتمال نجاح برامج تأهيلهم إذا تمت في وقت مبكر وبالتالي الوقاية من ارتكابهم جرائم، بما فيها القتل، عند تعديهم مرحلة الطفولة.

وزارة الداخلية:
1) وزارة الداخلية فشلت في السيطرة على شيوع أدوات ارتكاب جرائم القتل وخاصة الأسلحة النارية الصغيرة من الناحية التشريعية والتنفيذية، وعدم إعطاء أولوية لمواجهة الاتجار بالسلاح بالسوق السوداء.
2) شيوع التعاطي والاتجار بالمخدرات بأشكالها وخاصة العقاقير الطبية والمخدرات رخيصة الثمن المصنعة محليا، وشيوع فكرة هزيلة من أن الأردن لا زال ممراً للمخدرات وليس منتجا أو مستهلكا لها، علما بأن الترويج و الاقتناع بهذه الفكرة يؤدي لضعف الرقابة من قبل الأهل والمدرسة ومؤسسات المجتمع على الأطفال والأبناء.
3) وزارة الداخلية لا زالت تطبق قانون منع الجرائم الذي يمنح المحافظ والمتصرف سلطة التوقيف، وهو من القوانين المتخلفة التي عفى عليها الزمن والغيت في كل دول العالم التي تحترم حقوق الإنسان وتفصل ما بين السلطات.

مجلس النواب:
1) الفجوات في التشريعات الاردنية التي لا زالت تسمح بالإفلات من العقاب وخاصة بجرائم قتل النساء والأطفال داخل الأسرة المتعلقة بإسقاط الحق الشخصي.
2) فشل مجلس النواب لعشرات السنوات من إقرار قانون حقوق الطفل، وتعثر عدة مرات في تعديل قانون الحماية من العنف الأسري، وقانون العقوبات لا زال يشمل مواد تشكل انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان من مثل المواد 308 و340 و62، وعجز المجلس عن مجرد التفكير في مطالبات المجتمع المدني والمركز الوطني لحقوق الانسان بإلغاء قانون منع الجرائم وأحالة مهامه للسلطة القضائية.
3) اقرت الحكومة مؤخرا مشاريع قوانين تعظم دور الحاكم الاداري، تجاوزا وانتهاكا للسلطة القضائية، لمنحه صلاحية إصدار مذكرة إلقاء القبض والتوقيف، ومشروع تعديل قانون منع الجرائم لعام 1954 الذي يعيد القوانين العشائرية التي ألغيت عام 1976.

المجلس الوطني لشؤون الاسرة:
1) الإخفاق في تنفيذ الاستراتيجيات والأطر الوطنية لحماية الأسرة وفشل نظام تتبع الحالات الإلكتروني تشكل في مجملها بيئة خطرة تفاقم عواقب حالات العنف الأسري لتصبح قاتلة.
2) لجان التحقيق في التقصير الذي ادى لوفيات عدة أطفال من العنف، لم يكن ناجعا في أغلب الحالات، يستمر عدة أشهر، ويصل لنتائج غير قابلة للتنفيذ، او غير ملزمة التنفيذ.
3) عدم نجاعة الفريق الوطني لحماية الاسرة لتنفيذ العمل التشاركي الوقائي ببرامج توعية مستدامة قابلة للرصد وقياس النتائج، وتعثر الفريق ببرامج الاكتشاف المبكر للحالات في القطاع الصحي والاجتماعي والقانوني، مما يؤدي لاستمرارحصول العنف خلف ابواب موصدة واسوار مرتفعة تفاقم عواقبه لتصبح قاتلة.

عبارة "نحن جميعنا نتحمل المسؤولية"، هي عبارة يعصى فهمها... لان من يتحمل المسؤولية في مواجهة عوامل خطورة إرتكاب جرائم القتل هي وزارات ومجالس محددة تخفق بمهام يتوقع منها أن تنجزها بمهنية وحرفية وبمرجعية قانونية أخلاقية.

الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي
الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة

2017/01/19

القتل الجماعي للأسرة، ظاهرة يتوجب على الحكومة العمل على الوقاية منها

مع كل جريمة قتل أسرى، وخاصة أذا كان جماعية، نرصد ارتفاع في وتيرة النشاط الإعلامي في مجالات (1) التقارير الصحفية (2) كُتّاب الأعمدة (3) الندوات التلفزيونية (4) إعلام المواطن والتواصل الاجتماعي الخ.. وتستمر لبضعة أيام...تتلاشى بعدها تدريجيا وكأن شياً لم يكن.
 
الأسباب وعوامل الخطورة:
أظهرت الأدبيات العلمية أيضا أن القتل الجماعي للأسرة مرتبط بارتفاع نسبة التفكك الأسري والانفصال ما بين الزوجين والتهديد بالطلاق، وبشيوع الأمراض النفسية من مثل الاكتئاب أو الإدمان أو وجود سيرة سابقة لمرض نفسي، وقد ثبت وجود عنف أسري أستدعى تدخل الجهات الرسمية بنسبة مرتفعة من مجمل هذه الجرائم.

هذه الجريمة تمثل أسوء عواقب العنف الأسري القاتلة، وحدوثها يشير إلى أن مشكلة العنف داخل الأسرة هي مشكلة حقيقية ومنتشرة بشكل يفوق عدد الحالات التي تطلب المساعدة، وإن دمار أسرة بكامل أفرادها لهو دليل على أن أغلب حالات العنف الأسري تحصل خلف أبواب موصدة ولا يبلغ عنها حيث تترك وتتفاقم عواقبها النفسية والاجتماعية والجسدية لتصل إلى العنف المميت.
حصول جريمة بهذا الشكل هو دليل على أن الخدمات المقدمة لحماية الأسرة من التفكك والعنف لا زالت قاصرة عن مواجهة الواقع، فأغلب حالات العنف الأسري وتفكك الأسرة المنتشرة بالمجتمع لا تكتشف وتترك لاحتمالية وصول عواقبها للموت، كما وأن مثل هذه الجريمة هو مؤشر على أن وسائل الاستجابة للعنف الأسري لا زالت بحاجة لتطوير ومتابعة وتقييم، وهي أيضا دليل على غياب أو نقص برامج الوقاية الأولية لتوعية عامة المجتمع بمواجهة التفكك والعنف الأسري، وهي أيضا دليل على غياب أو نقص برامج التعريف بالخدمات المقدمة لضحايا العنف والتفكك الأسري.

الاضطرابات النفسية وجريمة القتل الجماعية للأسرة:
أثبتت الأدبيات الطبية أن الأمراض والاضطرابات النفسية، تلعب دورا هاما في هذه الجريمة، مثل جنون العظمة، الغيرة القاتلة، والفصام، والإدمان ويتصف من يرتكبون مثل هذه الجرائم بالعدائية، وعدم القدرة على السيطرة على النفس، والشخصية ضد الإجتماعية المتصفة بأفكار العظمة، وعدم احترام الذات والإحباط بسهولة والعزلة الاجتماعية، كما أن اضطرابات الشخصية تشكل عوامل خطورة هامة في حدوث هذه الجريمة كالكرب المرافق لأحداث الحياة كالأزمات المالية أو الخلافات الزوجية والتفكك الأسري والشعور بالرفض من قبل أفراد الأسرة الأخرين، والكرب الناتج عن المعاناة من الأمراض المزمنة أو ظروف المعيشة الصعبة بسبب الفقر والبطالة. مما يفاقم عوامل الخطورة هذه غياب التشخيص المبكر للمرضى النفسيين وعدم كفاءة الاستجابة المتعددة القطاعات المقدمة لهم، وارتباط المرض النفسي بوصمة اجتماعية وغياب خطة وطنية استراتيجية للصحة العقلية والنفسية تتحمل مسؤولية الكشف المبكر والعلاج القائم على الدليل العلمي المسند.

الوقاية من هذه الجريمة هو بالتعامل مع جذور العنف الأسري:
العنف الأسري ليس أمر حتميا وليس قضاء وقدرا، فهو نتاج عوامل خطورة يمكن السيطرة عليها وهي قابلة للتغير، ومواجهة العنف الأسري ليست مهمة اختيارية أو هامشية وإنما يجب أن يستجاب له وللوقاية منه بالتنسيق بين جهات متعددة القطاعات، وإن الحكومة هي في طليعة هذه القطاعات المتعددة وضامنه للتنسيق بينها وتعمل على رصد أدائها وهي المسؤولة عن المساءلة عند الإخفاق كحصول جريمة بشعة وشنيعة كجريمة السلط.

يتوقع من الدولة أن تتبنى استراتيجيات وأطر وطنية وقوانين واضحة تجعل العنف غير مشروع، وعليها أن تتبنى آليات لضمان العمل والتنسيق بين القطاعات التي تقدم خدمات حماية الأسرة بما في ذلك توفير الخط الساخن الفعال لتلقي البلاغات وتوفر خدمات الكشف المبكر لضحايا العنف الأسري وتوفير الخدمات العلاجية والتأهيلية لضحايا العنف الأسري، كما ويتوقع أن تتبنى الدولة استراتيجية وطنية للتعامل من الصحة العقلية والنفسية تضمن التشخيص المبكر والعلاج الفعال للمرضى النفسيين.

إن مواجهة العنف الأسري يتطلب من الدولة أيضا أن توفر موظفين فعّالين ومدربّين جيدا؛ وأن تشرك مؤسسات المجتمع المدني والأكاديميين في الدعم لمواجهة هذا المشكلة، وأنت تعمل على دمج الجهود الرامية إلى مواجهة العنف الأسري في برامج الصحة العامة وفي برامج التنمية الشاملة، وهناك أهمية قصوى في دمج المعرفة العلمية عن أسباب العنف الأسري وعواقبه في مناهج التعليم في كافة مستويته، وأن تتعهد الدولة بزيادة التمويل وتقدير الميزانيات على الصعيد الوطني بما يضمن الاستمرارية في حماية الأسرة من العنف.

الدكتور هاني جهشان، مستشار أول الطب الشرعي
الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة