2016/12/20

مواجهة الإرهاب يتطلب التعامل مع جذوره الحقيقية

يشكل الإرهاب خطرا حقيقيا للسلم والأمن العالمي، فبالإضافة للأثر المدمر للإرهاب على انهاء حياة البشر وإلحاق العاهات والأمراض النفسية والجسدية بهم، هناك أثره على هدم الحكومات ودمار المجتمعات وتقويض التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

الوقاية من الإرهاب والتعامل مع مخاطر حدوثه أو مع أنشطته صعب للغاية بسبب تعقيد وتقاطع جذور النشاطات الإرهابية وتغيّرها باستمرار فهناك تبدل مستمر في الدوافع والتمويل ووسائل التنفيذ والأهداف. 
الإرهاب أيضا يتحدى ويخترق الحدود ما بين الدول، وهذا يزيد من صعوبة التعامل معه، مما يتطلب تعاون ما بين أجهزة الدولة نفسها وما بين الحكومات بهدف العمل على تحقيق إنجاز حقيقي في مواجهته.

بمرجعية النموذج البيئي وككل أشكال العنف تشمل جذور الإرهاب عوامل خطورة مجتمعية وأخرى اجتماعية وعوامل فردية وعوامل تتعلق بالعلاقات الاسرية.
عوامل الخطورة المجتمعية: وهي من أهم جذور الإرهاب وتشمل:
1) ضعف دور الدولة في رعاية المواطن، فهناك نقص مستمر في الاحتياجات الأساسية من الطعام، الكساء، والمأوى وهذه الظروف تؤدي لشيوع العنف بما فيها الأنشطة الإرهابية.
2) التهميش الاجتماعي والاقتصادي وشيوع الفقر، فممارسات الحكومة الخاطئة والفاشلة في المجال الاقتصادي والزراعي واستغلال الطاقة يدفع المواطن أن يلجأ للعنف كوسيلة رئيسية للسيطرة على الموارد في مواجهة الحكومة وهذا يولد بيئة حاضنة للإرهاب.
3) غياب الحريات والديمقراطية الحقيقية، وشيوع الاستحواذ السياسي والإقطاع النخبوي، وغياب الحوكمة الرشيدة، فهذه جميعها تؤدي إلى شيوع الظلم وغياب العدالة وتعمل على تشكيل حاضنة للعنف والإرهاب.
4) مشاركة الدولة في الصراعات الإقليمية غير القابلة للحل.
5) هجرة الشعوب إلى أماكن محصورة كالمخيمات يؤدي نفاذ الموارد البيئية، ويرافق ذلك  شيوع الفقر وبالتالي شيوع العنف والإرهاب.
6) توفر الدعم المالي المستمر من قبل مستثمري الإرهاب، لدوافع سياسية أو لدوافع مرتبطة بالاتجار بالمخدرات والسلاح والبشر. 
7) غياب سيادة القانون وشيوع انتهاك حقوق الإنسان وشيوع التميز الإقليمي والعرقي والقومي والديني.

عوامل الخطورة الاجتماعية المتعلقة بالثقافة السائدة:
التجرد من البيئة الإنسانية للمواطن تشكل وسط مُرحب لثقافة التطرف الديني والذي يروج لها من قبل مستثمري الإرهاب، كمخلص من الكرب والفقر ولنشر هذه الثقافة يتم ربطها بحياة الرفاهية ما بعد الموت.

عوامل الخطورة الفردية وفشل العلاقات الأسرية:
تشكل الاضطرابات النفسية واضطرابات الشخصية واضطراب العلاقات الأسرية عوامل إضافية مكملة لما سبق ذكره في حصول الإرهاب.

مواجهة الإرهاب:
لن يكتب النجاح لمواجهة الارهاب بواسطة ندوات يحاضر بها رجال دين وعلماء اجتماع يتداولون تعاريف مبهمة ونظريات غير مسندة علميا أو بواسطة مقاطع تلفزيونية ركيكة عاجزة عن الوصول للعقل والنفس ويبدو أنها تدعو للإرهاب بدل مواجهته. 
مواجهة الإرهاب يتطلب التعامل مع البيئة التي تهيئ ظروف انتشاره والوارد ذكرها في عوامل الخطورة الاجتماعية والمجتمعية الواردة سابقا، تعمل في محاور:
(1) الوقاية الأولية بتنفيذ ورصد وتقييم برامج اجتماعية اقتصادية وسياسية لعموم المجتمع توفر الحياة الكريمة للمواطن وتحافظ على حقوقه، وتعمل على الالتزام بإجراءات سيادة القانون.
(2) برامج وقائية خاصة بالتعامل مع المعرضين لخطر الانضمام للإرهابين أكثر من غيرهم، تعمل على توفير فرص التعليم والثقافة والعمل والتخلص من الفقر وبناء شخصية المواطن القائمة على الانتماء للوطن.
(3) برامج تتعامل مع التهديد المباشر لحصول الإرهاب وتشمل منع الإرهابيين من (١) النفاذ للوسائل التي تمكنهم تنفيذ أعمالهم الإرهابية (2) والحيلولة بينهم وبين المستهدفين و(٣) عرقلة رغبتهم بالوصول لأثر أعمالهم الإرهابية. يشمل ذلك الرقابة الحقيقية على تهريب والاتجار بالأسلحة الصغيرة وعلى المواد الأولية الكيماوية لصناعة المتفجرات، والرقابة الحقيقة على وسائل التواصل الرقمية. وتوفير الأمن الكافي للأهداف المتوقعة. 
(4) رفع كفاءة جميع أجهزة الدولة الامنية في مجالي الوقاية من الارهاب ومواجهته، وخاصة القدرة الاستخباراتية المحلية والإقليمية. يشمل ذلك التدريب والابحاث وتوفير الموارد البشرية والمالية والتكنولوجيا المتطورة.
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي
الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الامم المتحدة

2016/12/05

فوضى الخدمات الإجتماعية في الاردن انتهاك لحقوق الإنسان

أعلنت اليوم 5-12-2016 وزارة التنمية الاجتماعية رسميا "ان متابعة المرضى النفسانيين ليست مسؤوليتها" وتعاضد هذه التصريح الذي يعكس قناعة وواقع الوزارة مع ضعف واقع حال الخدمات الاجتماعية في القطاع الصحي، وأيضا مع واقع الخدمات الاجتماعية المتردي في مراكز الاصلاح وإدارات الامن العام الاخرى كإدارة حماية الأسرة وإدارة مكافحة المخدرات، مما يشير بشكل جلي لوجود فوضى في هذه الخدمات بالأردن والذي يشكل انتهاكا صارخا لحقوق الانسان.
ففي القطاع الصحي، على سبيل المثال، للخدمة الاجتماعية دور محوري بمرجعية تعريف منظمة الصحة العالمية 
"للصحة" بأنها "حالة من إكتمال المعافة الجسدية والنفسية والإجتماعية، وليس مجرد إنتفاء المرض والعجز" فالخدمات الصحية التي تقدم للمواطنيين للإستجابة للحالة الجسدية لأي مرض تعتبر ناقصة دون الإستجابة لحالة المريض النفسية وحالته الإجتماعية.
الباحث الإجتماعي في القطاع الصحي من المتوقع أن يقوم المهام التالية:
(1)    توفير الدعم الإجتماعي للمرضى وأقاربهم، وخاصة المهمشين بسبب الفقر أو الجهل، الذين يعانون من الأمراض العضال او الأمراض القاتلة من مثل ألزهيمر والخرف، والسرطان والأيذز وخاصة الذين يعانون من الفقر والبطالة. 
(2)    توفير الدعم الإجتماعي لحالات أمراض الشيخوخة، وتوفير الدعم الإجتماعي والنفسي للمرضى المحتاجين لزراعة الأعضاء وللمتبرعين لهم 
(3)    المساعدة في إجراءات خروج المرضى من المستشفى للمرضى المسنيين والمهمشين والفقراء، وتوفير الإرشاد الإجتماعي والدعم لهم، والمساهمة في توعية المريض وأهله بخصوص المرض المتعلق بالمريض بواسطة تيسير حصول المريض على الموارد المجتمعية التي قد يحتاجها لمتابعة علاج مرضة وتأهيله، 
(4)    المساهمة في حل المشاكل السلوكية التي قد تعيق تقديم الرعاية والعلاج للمريض، 
(5)    التعامل مع كافة عوامل الخطورة الإجتماعية التي قد تحيط بالمريض وأسرته المتعلقة بالجريمة والعنف، 
(6)    المساهمة في توفير المعلومات الإجتماعية لإستشارت وخدمات الطب النفسي التي قد يحتاجها المرضى.
(7)    توفير الدعم الإجتماعي لأقارب الوفيات المفاجئة وخاصة الأطفال والرضع منهم.
(8)    توفير الدعم الإجتماعي لإصابات الحوادث الجماعية ولأقارب مجهولي الهوية والمفقودين.

الوضع الحالي وعند حدوث حالات مثل المذكورة سابقا يحدث إرباك شديد للمريض وأقاربه وللأطباء ولإدارة المستشفى لأن عدد الباحثين الإجتماعين في المستشفيات الحكومية هو ضئيل جدا إلى درجة الغياب التام، وإن وجدوا فإنه توكل لهم بالعادة مهام كتابية ليس لها أية علاقة بمهنتهم الأساسية المتعلقة بالعمل الإجتماعي، وقد يطلب منهم مهام ليس من المتوقع أن يقومو بها.
التحديات التي تواجه مهنة الباحث الاجتاعي في الاردن:
1)    الحكومة لا تعطي اولوية لتعينهم في القطاع الصحي او التربوي وحتى في وزارة التنمية الاجتاعية، أو لتوفير التدريب الكافي لهم بهدف رفع الكفائة المعرفية أو المهارتية لديهم.
2)    غموض مهام الباحث الإجتماعي، وقيامه بأعمال إدارية خارج نطاق عمله الإجتماعي.
3)    غالباً ما يتعرضون لضغوط العمل الوظيفي وتدني الرواتب وبالتالي يعجزون عن  القيام بالمهام المهنية الإجتماعية المتوقع منهم القيام بها.
4)    هناك الحاق أشخاص من مهن أخرى أو لا يحملون شهادات العمل الإجتماعي للقيام بالمهام التي يتوقع أن يقوموا بها.

من يتحمل مسؤولية مواجهة  الفوضى في الخدمات الاجتماعية؟
(1)    هناك مسؤولية على الحكومة إن كان بمبادرة من وزارة التنمية الإجتماعية أو وزارة الصحة بتوفير عدد كافٍ من الباحثين الإجتماعيين في القطاع الصحي.
(2)   أيضا على الحكومة ان توفر عدد كاف من المهنيين في المجال الاجتماعي يغطي بالإضافة للقطاعين الاجتماعي والصحي، القطاع التربوي والقطاع القانوني (إدارة حمايةالاسرة وإدارة مكافحة المخدرات ومراكز الاصلاح الخ...)، تجمعهم نقابة مهنية بقانون يضبط الممارسة وتتحمل وزارة التنمية الاجتماعية مسؤولية تنفيذه والاشراف على هذه النقابة العتيدة، حيث ثبت اخفاق عدة محاولات لانشاء جمعيات لهذه المهنة.
(3) يتوقع أن تقوم وزارة التنمية الاجتماعية تنفيذ حملات توعية لمهام الباحث الإجتماعي، تعمل على تقبّل وجوده كمهنة أساسية وهامة في جميع القطاعات بما فيها القطاع الصحي، وتحافظ على صورة مهنية ذات مستوى رفيع فاعلة في خدمة المواطن وحمايته وترفض الصورة النمطية السلبية عن عمل الباحث الإجتماعي كموظف أحتياط قد يطلب منه أية مهام خارج نطاق مهتة العمل الإجتماعي
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي